المتَعَةُ وأثرها فی الإصلاح الاجتماعی
مقدمة الطبعة الاولی
بقلم الإمام الشهیر والمصلح الکبیر الشیخ محمد الحسین آل کاشف الغطاء قدس الله روحه ونور ضریحه
بسم الله الرحمن الرحیم : وله العظمة والکبریاء
( هذا کتابنا ینطق علیکم بالحق )
منذ بزغت على البسیطة شمس الإسلام فی دیاجیر ذلک الظلام الدامس والى الیوم لم تزل عین الفتنة فی المسلمین تنفتح مرة وتنطبق أخرى . وتهجع حینا وتسهر أحیانا . وتصد عن قوم وتتصدى لآخرین . وکان مهب أعاصیر تلک الفتن ومثار زوابعها ـ هو المذاهب والمقالات التی نشأت فی بدء الإسلام واستوجهها رحابة صدره وسعة حریته : وان لکل إنسان ما رأى وما اختار بعد البحث والنظر والإستقصاء ـ فیما لا یمس جوهر ودعائم أرکانه من التوحید والنبوة وما إلیها . وکان من جملة القضایا التی اتسع البحث والجدل فیها فی أولیات القرن الأول من الإسلام ـ المتعة والرجعة . بل الإمامة والنص والعصمة ، فکل تلک القضایا قد اشتبک الشجار فیها والحوار بین فریقین من المسلمین حتى استأسدت الأجمة ، واستجمرت الفحمة ، وحتى کادت المؤلفات فیها والإحتجاجات علیها سلباً وإیجاباً ونفیاً واثباتاً تزن القناطیر ، وتملأ القماطیر ، ... أفما کان الحرى بل الأحرى . بل الأنفع دنیا وأخرى ـ لأهل القرون الآخرة ، أن تکتفی بما وقع من ذلک فی القرون الغابرة ، سیما أبناء هذا العصر الذی وقعنا فیه من جراء تلک الخلافات فی أعمق مهاوى الذل والصغار ، ورزایا الإستعمار على المثل القائل ( الإباء یحصرمون والأبناء یضرسون ) ونفحت العنایة الأزلیة فی اخریات القرن الغابر برجال مصلحین کانوا فی الدعوة إلى توحید الکلمة کأنبیاء مرسلین ، وکانت ولم تزل الدعوة . إلى الوحدة والتوحید ونبذ الخلافات هی دیننا ودیننا وهجیر ، أنا فی جمیع مقالاتنا وخطبنا ومؤلفاتنا التی طبع الکثیر منها وانتشر الأکثر . ولکن . ( وما حال بان خلفه ألف هادم ) نعم قام فی هدم جمیع ما بناه الرجال المصلحون وشیده التابعون لم باحسان قام بالهدم واحباط تلک المساعی الکریمة فی هذه الآونة بعض زغانفة الکتاب فی القاهرة أولئک الکتبة الذین الیق ما یقال فیهم قول القائل :
تعس الزمان لقد أتى بعجاب * ومحى رسوم الفضل والآداب
وأتى بکتاب لو انبسطت یدى * فیهـم رددتهـم إلـى الکتاب
نبغ الثالوث الأعمى الذی أعمى الله بصره کما أعمى بصائر اتباعه فصاروا یتلاعبون فی محکمات الدین والتأریخ ویتخبطون فی « ضحى الإسلام » وصواحیه تخبط الخفافیش فی الق الشمس فنشروا تلک الدفائن ، ونبشوا تلک الضغائن ، وبعد أن لعبو دورهم فی « القرآن والآدب » أعادوا حدیث الرجعة والمتعة جذعه . فلم یکن لنا بد من دفع هجماتهم ، وصد صدماتهم ، ومجادلتهم کما أمر الله بالتی هی أحسن مع الدلالة على مضار تلک الجذور ومفاسد البذور ، وأن الزمان الیوم لا یصلح لتلک المجادلات والمجالدات بین فرق المسلمین وأن الزمان الذی کانت تلک الهنات تصلح فیه أولاً تضر قد تصرم وانقضى .
فـذاک زمـان لعبنا بـه * وهـذا زمان بنـا یـلعب
ولکن القوم صموا عن النصیحة آذانهم واشاحوا عن الحق وجوههم
اضیع شیء نصیحه بذلت * لحاضر الغی غایب الرشد
فما ازدادوا لجاجاً فی الغی وتمادیا فی الضلالة ثم تأثرهم على تلک الخطة العوجاء وزاد فی النغمات بعض أحامقه الترکستان ممن لا یحسن أن یتکلم العربیة الإرطانه ولا یعرف العربی الدارج فکیف یعرف سنته وقرآنه ، نعم قذفتنا أعاصیر هذه العصور بحسرات من اقاصى الأرض فجاؤا یفسرون القرآن والحدیث بلغة أوباش الصین للعدنانیین والقحطانیین .
عبدان عبـدان وتـبـع تبـع * والفاضل المفضول والوجه القفا
ولمـا أن هجوت رأیت عیـا * مقـالـی لابــن آوى یـالئیم
وقد انضوى ذلک الدخیل إلى شرذمة یزعمون العروبة ویتمطقون بمجد الإسلام ولکن یرون « إسلامهم الصحیح » النصب والبغض لأهل البیت . کأن من واجب حق النبی (ص) علیهم بغض أهل بیته والتحامل علیهم وجحد فضائلهم ، فتأثرهم ذلک الطائش فلم یترک عظیماً من عظماء أهل البیت ولا إماما من الأئمة الاّ واجترى علیه ونبحه « نبح ... على البدور نعم تحامل على کل عظیم ببذاءة لسان وصفاقة وجه . وحماقة عقل وحشر من أعاجیب الأکاذیب واباطیل الاضالیل ، مقالات یضرب بعضها بعضاً وینقض أولها آخرها ، وجلها تهویش وتحریض وطعن وتخدیش کمثل الذی ینعق بما لا یعقل ، ویهرف بما لا یعرف ، وقد خاض فی أکثر تلک المسائل من المتعة وغیرها فکان فیها حاطب لیل ، وخابط سیل ، لیس له إلا الحرب والویل .
وکان الأفاضل وأرباب الأقلام منا قد أنفوا من الرد علیه والخوض معه فی أوحاله القذرة ، وشتائمه النتنة ، وآرائه الزائفة التی هی أوطا من النقد وأهبط من التمحیص . ولکن حمیة الحق والغیرة على الحقیقة أن تهضم أو تضام ، وخوف أن تعدى جریاؤه الغر السلیم . وأن تعم الضلالة ویتسع خرق الشبهة ، کل ذلک أهاب بالحقوقی الفاضل والبحاثة المتبحر والکاتب الضلیع « الحاکم توفیق الفکیکی » زاد الله علمه وتوفیقه فکتب رسالة فی المتعة أستوفى فیها البحث واستفرغ الوسع واستکمل الموضوع من جمیع نواحیه ومشى على ضوء الدلیل وقیادة البرهان بحث متجرد منصف ، غیر متحیز ولا متعسف ، ولقد أصاب فیما کتب شاکلة الصواب وجوهر الحقیقة ، وتعرض ، فیها لبعض کلمات ذلک المهوش المافون فدحض حجته ( إن صحت هنا هذه الکلمة ) نعم دحض أباطیله وأوضح أکاذیبه ، وجعل جمیع ما جاء به هباء منثوراً ، فشکر الله سعیه وأجزل بره وکثر فی حکامنا الکرام أمثاله من عشاق العلم والمعارف والنشر والتألیف ، وإلیه جل شأنه نرغب فی أن یقرن اسمه أبدأ بمسماه ولفظه بمعناه ، فیأتینا بأخوات هذه الرسالة التی أجاد فیها وأحسن وأبدع واتقن ولا زال موفقاً للآثار الخالدة والأعمال الصالحة بدعاء الأب البار .
محمد الحسین آل کاشف الغطاء
النجف الأشرف 4 ع 2 سنة 1356